يا أبتي: لقد امتطيت ظهر الزمن، وعبرت ميدان الحياة.. فما عدت ذاك الذي يتدهده في مشيته ويتعثر في خطوته..
إني مضيت في مضمار العمر ربيعاً بعد ربيع.. ألتهم
لأيام وأبتلع السنين..
كان يكبر جسمي فينمو معه عقلي وفكري ومكتسباتي.. وكان يمتلىء بدني فتربو معه مداركي وقدراتي..
وأصبحت- يا أبتي- أحس بدم الرجولة يسري في عروقي، ويمضي في أوردتي.. وأنت- ويا للأسف- مازلت تنظر لي كطفل خداج لا يحسن إلا أن يكون كلاً على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير..
لا تحقرن صغيرأ في تقلبه إن البعوضة تدمي مقلة الأسد
يا أبتي: كنت أرتضيك أباً رحيماً واليوم أتمناك أباً شفيقاً وأنيساً صديقاً وأخاً رفيقاً.
فمتى تجالسني فأسكب في سمعك كل ما يؤرقنى ويعتريني..؟!
متى نفتح بوابة الصراحة، ونمد جسور الثقة بيني وبينك؟ متى أخلع عن وجهي قناع الماضي، فتراني بصورة الحاضر، فتعاملني كما أنا الآن لا كما كنت في ماضي الزمان؟!
متى أغرس يدي في يديك؟ وأزرع عيني في مقلتيك؟ ثم أبثك ما عندي بكل صدق وتجرد، بلا تزين ولا تلون ولا تملق؟!
يا أبتي: أنا لا أريد أن أشكو منك..
بل أرجو أن أشكو عليك..!
فمتى تغمض بصرك عن طفل الأمس، لتفتح عينك لترى رجل اليوم؟!!